الجمعة، 10 فبراير 2012

مجَّردُ هذيانْ !


- وَ بقيتَ أنتْ الدَّعوة العالِقة بينِي وَ بين السماءِ وَ بين الرَّجاءِ وَ البُكاء ، وَ بينَ السَّواد وَ الأغنياتِ الحزينة وَ وقعُ المطر وَ ظهيرةُ ذاكَ اليومِ المُوجِع خلفَ منزِلي .. وَ أصبحتُ أنا الجُنونُ المعلَّق / الروحُ العالِقة بينَ نسيَانكَ الكَاذب وَ أملِ عودتكَ الآثم ، وَ بينَ أوراقٍ مهترئة وَ أقلامٍ مكسورة وَ بينَ أقدارٍ تأتِي بكَ دوماً وَ بينَ نحيبٍ وَ سيلِ دموعْ .. تلكَ الدُّموع التي تبقَى حبيسَة كلَّ اليومِ وَ حينَ يجنُّ الليل لا تتردَّدُ في الانهمَار ، وَ اِسأل وسادَتِي عنها ؛ اسألَها إِن كانت قدِ اعتادَت طعمهَا اللآذِع أم ليسَ بَعد ؛ اسألْها عنْ أُمنيةِ صيَامِها عنْ دُموعِي كلَّ ليل إِّنها تشبِهُ أمنيةَ صيامِي عنكَ كلَّ حِين ، لكِن َْ تعلم كَم مرَّةً فشِلت الأقدارُ في تحقِيقِ هذهِ الأُمنِية كَما فشِلت في تحقيقِ أشياء كثيرةٍ تمنيتُها أكثرَ مِن أيِّ شيءٍ آخر .. ! لا أؤمنُ أنا بالأقدارْ ، عفواً أقصدُ أننِّي لا أثقُ بِها .. لَم تُنصفنِي يوماً وَ لم تأتنِي بِكَ هديةً من السَّماء معَ قطراتِ المَطر أو نُدرة الثُّلوج وَ لا مع قطرِ النَّدى على الأزهار وَ لا بإشعاعِ شمسٍ أو نورِ قمر وَ لا وهجِ نجمةٍ أو حفنةِ ترابٍ حتّى .. معَ هذا أقُول لا بأسْ ، لكِن بداخلِي صوتٌ مبحُوح مُختنق يسألنِي : لَا بأسَ بمَاذا .. ؟! لا أعلمْ ، لا أعلمْ لكنَّهُ لا بأسَ بأيَّ شيء / أيِّ شيءٍ حقاً ؛ لا بأس بالجروحِ وَ الآلام وَ قنيناتُ الوجعِ الْ / تحملُ رائِحتك وَ لا بأس بكلِّ اللحظاتِ المقيتَة التي تحضِركَ أمامِي مِن لا أعلمُ أيْن وَ لا بأسَ بتلكَ الذِّكرياتِ ذاتِ اللونِ الأزرق .. ! وَ أعترفُ أننِي مثقلةٌ باللآ مُبالاة بقولِي هذَا لكِّني بذاتِ الوقتِ مثقلةٌ بالأوجاعِ الَّتي تجعلُ منِّي شخصاً لا مبَالياً ، قُل لي كيفَ للمرئِ أن يُبالِي بالرُّمادِ .. ؟! أجلَ كلُّ الأشياءِ بعدكَ رمادٌ لَا قيمةَ لهَا ، فلتذروها الرَّياحِ إلى أيِّ مكانٍ فإني لستُ أهتَم لأنَّهُ ما عاد بداخلِي متسَّعٌ لأي شيء فكُلِّي مملوءة بالحنينِ إلَيك وَ لا سِواه .. ما عُدت أهتمُ لأهلِي وَ لا صديقاتِي كالسَّابق وَ لا حتّى لبقيَّة الأشياء التِّي كانتْ محبَّبة بالنسبةِ إلي ، لا أدرِي أينَ كاميرتِي وَ لا أدرِي مَا هيَ آخر ورقةٍ كتبتُها وَ لا أدري ماهُوَ آخرُ كتابٍ قرأته أو مَن هَو آخرُ شخصٍ قد التقيتُه سمعتُ صوتهُ أو صافحتُه .. أشعرُ أننِي فِي عُزلة ، فِي سجنٍ انفرادِي أبكِي وحدِي وَ أتحدَّثُ وحدِي وَ أختنقُ وحدِي ؛ يزورُنِي الموتُ خلسةً يلفظُ رائحتهُ علَيّ وَ يبتعِد / أتوسَّلهُ خذنِي لكِنَّهُ لا يستجِيب .. لستُ فقط أشعرُ أنني فِي عزلَة بَل هُناكَ شعور سيءٌ بالوحدةِ يرافقنِي معَ أنَّ كثيراً من الأشخاصِ حوليْ ، أعلمُ أن حديثِي جنُون لكنَّها الحقيقَة ؛ الحقيقةُ الأكثرُ مرارةً فتخيَّل أنْ تجلسَ مثلي كلّ صبيحةٍ في قاعةِ الجامعة حولكَ سبعٌ وَ أربعونَ طالبةً وَ الدكتورة لكنَّكَ تشعرَ بالهدوء بالصَّمت بأنَّ المكانَ خالٍ إلا منْ صوتِ أنفاسِك وَ صرير القلمِ على الأوراقْ ، بَل وَ تخيَّل أن تجلسَ معَ أهلِك الذين يشكِّلون لكَ كلَّ الحياة وَ تشعر أيضاً بالوحدة ، الكُّل يدخلُ في غمرةِ الأحاديثِ وَ الضحكات وَ أنتَ في صمتكَ المزمِن وَ إن قرَّرت الحديث فصوتكَ هباء لا يسمعهُ سِواك ، الكلُّ ينبضُ بالفرح وَ أنتَ نبضاتكَ متعثرةٌ وَ بينَ عينيكَ حزنٌ دفين يجعلكَ دوماً تُرخِي رأسكَ للأسفل وَ مِن بينِ كلِّ ذاك تأتيكَ جملة تقول ( أصلاً انتين أحسج عيشه بروحج ) لِتثبتَ لكَ أنَّك وحيد وَ مبتعدٌ عن العَالم ، الأمرُ موجعٌ صحيحْ .. ؟! لكِن ماذا لو قلتُ أننيْ لم أشعرُ بالوجَع فقط خفتُ أن أُسألَ لمَاذا وَ أنا فيْ ذاكَ الضلال لا أملكُ أيَّ جوابْ .. خفتُ أن أضطرَّ للكذِب خفتُ أن تفضحنِي عينَي ، خفتُ أن يخرجَ مِن صدرِي أنين خفتُ ؛ خفتُ بشدَّةٍ كخوفِ الأطفال مِن ظلمةِ الليلْ ، خفتُ أن يفتضحَ أمرِي وَ تراءتْ لِي كلَّ الأفكارِ السيئة لكِن للأسَفِ ربَّما مرَّ الأمرُ بسلامْ وَ أقولُ للأسفَ لأنهُ بداخلِي رغبة ما شبهُ ميتةٍ بلفظِ اِنتظارِك ، بالحديث بالاستفراغِ من أي شيءٍّ يخصُّك .. ربَّما لنْ تأتيَ فرصةُ الحديثِ هذهِ يوماً وَ ربَّما أتَت وَ أنا لم أنتبِه أو لمْ أستطِع الحديث فكمَا لا تعلمُ أنتْ فقدتُ قدرتِي على الحدِيثِ وَ البوح منذُ أنَ جمعتَ لذاتكَ أسبابَ الرَّحيلِ وَ رحلت .. صدِّقني لستُ أعاقبُ ذاتِي بهذا الحُزن وَ لا أعاقبُ من حولِي وَ لستُ أكتبُ بهِ روايةً أُسطورية تخلِّدها الأجيال ، أنا حقاً مكتظَّةٌ بالحزنِ لكنِّهُ مخبوءٌ عنَ أعينِهُم وَ لا تشعرُ بهِ قلوبُهم وَ لا تدرِي بهِ أرواحهُم وَ إن حدثَ إعجازٌ ما وَ علمُوا بِه أعلمُ أنهم لن يمدُّوا ليْ يدَ عونٍ أو مُساعدَة لذا أحتفظُ بالحزنِ لذاتِي ، ليسَ كُرهاً أضمرهُ لنفسِي لكنْ كلُّ منَّا لهُ حقوقُ ألمٍ محفوظة .. أذكرُ أنَّ أحدهُم قال لِي أنَّ الألمَ يزول وَ أنَّ الليلَ ينجلِي وَ الصُّبحُ لا بُدَّ يأتِي ، صدَّقتُه لكِن خيبتنِي أيامِي وَ لم يزُل ذاكَ الألم وَ لم ينجلِي ليلُ لكِن أتَى صباحٌ يشبهُ الليَالِي الطوَال ؛ الليالِي التِي تمرُّ وَ كأنها عامٌ كامِل ، أتى صباحٌ يشبهُ الأكفان ليسَ مخطوطٌ على جوانبهِ سوى عباراتُ الموتِ وَ سودوايةُ الفَقد ، أتَى صباحٌ لا يعرفُ الطريقَ إلى نافذةِ غُرفتِي أو ثقوبِ قلبِي ، أتَى صباحٌ على كلِّ البشريَّةِ إلا علّي .. ربَّما لأنِّي أحبُ الليلَ وَ أحبُ الظلامْ وَ ربمَّا لأنِي أفضلُ لحظةَ الغروبِ على الشروقْ ؛ لكِن لآ لآ لحظة أذكرُ انِّني كرهتُ حتّى الغروب فهوَ يهمسُ لي بلؤمْ أنَّ المسافةَ الفاصلةَ بينَنا ازدادَت يوماً وَ هذا يعنِي أنَّ الأمل قلَّ عُمره وَ أن الوجعَ تفاقَم وَ أنَّ كثيراً من الأشياءِ استحالَت بلا حيَاة .. لا أُريدَ الكذبَ بشأنَ الأشياء وَ لا أريدُ التزييفَ بشأنِ الفرحْ ، لا أريدُ قولَ أننِي بخير وَ أنا لستُ كذلِك وَ لا أريدُ مواصلةَ حياتِي بهذهِ الشاكلَة لكِن عجزتُ عن كلِّ شيء عنْ أيِّ شيءْ ، لستُ أدري ماذا يجبُ عليَّ أن أفعَل فكلُّ الحلولِ تؤدِّي إليكَ ، لمَ لا تُقلعُ عنِّي أو تعُود إليْ .. ؟! لمَ لا تسمعُ الصرخاتِ التي تتعَالى بروحِي أن لا ملجئَ لي بعدَ اللهِ غيْركَ أنتْ أمْ بعدُ المسافةِ يجعلُ الصَّوتَ مُحال الوُصولْ .. ؟! عُد خُذ كفيِّ الدُّعاء وَ لهجَ اللسانِ بِك فكلَّما أردتُ الدعاءْ لا يأتي إلا أنتْ وَ لا يخرجُ منِّي إلا توسلٌ يحلمُ بعودتِك / بَل تعَال خُذ روحِي غيِّبني عنِ العالمِ وَ عاوِد ذاكَ المغِيب إن أعجبَكْ .. !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق