الأربعاء، 7 مارس 2012

يَومْ !


- اليَوم وَ أنا أمشِي في زقاقِ الجامعةِ الطويل ذاكَ وحدِي ، شردتُ بعيداً بعيداً جداً لمكانٍ قد لا أعلمُه وَ قد أعلمه وَ أصبحَ نسياً منسيَّاً .. تخيَّلتُ فيهِ الحياةَ كذاكَ الزقاقِ أو الطريقِ الطويلِ الذي مشيتُه لكنَّهُ أشدُّ وعورةً وَ قسوة ، رأيتهُ مليئاً باللافتَاتِ ءَ تعلم .. ؟! كلُّها تشيرُ إليك لكِن بقتلِي أنا ، كلُّها تقولُ انسيهِ هيَّا ، لا تتذكرِيه ، ضعيهِ خلفَ ظهركِ ، اركنيهِ في إحدى الزرانيقِ الضيقة التي لا تشرقُ عليها شمسٌ وَ لا يصلُها ضوءُ قمر ، أودعيهِ إحدى حاوياتِ القُمامة ، إنهُ لا يستحِقْ .. !
ءَ وَ حقَّاً أنتَ لا تستحِق .. ؟! ءَ وَ حقاً أنَا أستحقُ كلَّ قسوةِ تلكَ اللافتَاتْ .. ؟! إنها جماداتٌ لا تشعُر وَ لا تُبصرُ وَ لا تسمَع فكيفَ أقُول لهَا أنيْ لا أملكُ للخلاصِ منكَ سبيلآ .. ؟! وَ كيفَ أصرخُ بها لتعِي أنِّي كلَّما هربتُ منكَ لجأتُ إليكَ أكثرَ من ذِي قبلْ .. ؟! كيف أبكِي وَ هل إن بكيتُ ستبصِر الدمعَ الساقطَ من عينِي وَ ترحمنِي .. ؟! كيفَ أشرحُ لها احتياجَ روحِي إليك .. ؟! وَ كيف أبينُ لها أنَّ حياتي دونكَ عبثٌ وَ هباءْ لا يؤدِّي إلا لحُطامٍ وَ ركَام وَ رمادْ .. !
ءَ وَ حقَّاً لا تشعرُ الجماداتْ .. ؟! إذاً من يشعُر بِي إن لم يشعُر بيَ لا جمادٌ وَ لا حيُّ منَ الأحياءْ .. ؟! لمَن أشكِي وَ بحجرِ من أبكِي وَ عند أيِّ يدٍ أرتمِي وَ أقولُ : ضمَّنِيْ .. ؟! للآ أحَد .. إليكَ فقط ، وَ هذا كلُّ الأمرِ لأنهُ لا أملكُ غيركَ أحدْ لا يُمكننِي نسيانُك وَلا رميُك وَ لا الهربُ منكَ وَ لا تناسيكَ وَ لا تجاوركَ كأنَّك لم تكُن شيئاً .. !
ءَ وحقًّاً أنا لا أملكُ غيرُك .. ؟! إذاً إنهُ أمرٌ يدعُو للضحكِ حدَّ البُكاءْ , أنْ لا أملكَ غيرك وَ أنا أعلمُ أنَّكَ بعيدٌ عنِّي بُعدَ الغيوم عن منالِ يدايْ وَ بعدَ الشمسِ عن راحةِ كفَّايْ ؛ فلمَ أنتَ لا ترحمنِي وَ تعود .. !
وَ فجأة مِن بينِ كلِّ ذاكَ الشُرود استفقتُ لذاتِي حينَ صفعتنِي إحداهُنَّ وَ أردفَت بسرعةٍ : سُورِي ، دخلتُ ذاكَ المبنى المَقيت خمسةٌ وَ خمسون ، ركبتُ وضعتُ عباءتِي وَ الدفترُ الذِي بيدِي وَ نزلتُ مع إحداهُنَّ لتناولِ الفُطور ، ما استغربتهُ حينَها أنها قالت لِي بمزحةِ جهلتُها وَ عجبتُ لأمرِها : منَّه يا قصيرة .. !
ءَ وحقَّاً أنا قصيرة لهذا الحد .. ؟! أجل ؛ ربَّما هيَ حقيقةٌ يجبُ عليَّ تصديقُها فيومَ أمس سمعتُ هذهِ الكلمةَ مرَّتين وَ فيْ ما قبلَ أمسٍ أيضاً وَ قيلَ لي أنِّي قصيرةٌ وَ صغيرة .. لكِن ؛ ما أفعلُ يا أنتُم فعظامِي ما عادتْ تنمُو لا طولاً وَ لا عرضاً وَ جسدِي أخذَ إجازةً منذُ زمنٍ عن هذا الأمر .. ؟! ما أفعلُ أخبرُونِي إن كُنتم تعلمون .. !
لقدْ كانَ اليومُ حانياً علي لم يجعلنِي أبكِي وَ بذاتِ الوقتِ كان قاسياً ، وَ كان يراودنِي قلقٌ منذ أول وهلةٍ خرجتُ فيها من منزِلي عندَ السادسةِ وَ النِّصف وَ كانت نبضاتُ قلبي تتسارعُ بشدة تتسارعُ وَ تتسارعْ لدرجةٍ شعرتُ فيها أن أضلعِي تكسَّرت .. ربَّما عرفتُ السببَ مؤخراً وَ قد كان شيئاً لم أتوقعهُ أبداً لقَد أتى في غيرِ ميعاده لكِن شكراً ربِّي عليه .. !
عدتُ للمنزِل ، حاولتُ النوم حاولتُ جاهدَةً حتّى أنني اعتقدتُ أنِّي لو نمتِ عُمري كلَّه لن أشعرَ براحةِ النوم وَ لذته .. النومُ يا سيدِّي يُخاصمنِي منذُ زمن ، ءَ كنتُ قد قتلتُ لهُ أحدْ .. ؟! لا ، بلْ أفكِّرُ أنَّها فلسفةٌ خاصَة فأنَا فصلتُ بينهُ وَ بينَ الرَّاحة بطريقةِ لا أعلمُها فما عادَ يأتينِي ، إنها مجرَّدُ فلسفة .. فلسفةٌ للحاوياتِ لا أرقَى .. !
وَ ها أنا أفتحُ جهازيَ المَحمول ، لأَتفاجئَ بذاكَ الأمرِ أولاً ، ثمَّ لم أجِد لي مستقراً أتنفسُ فيه إلا هُنا وَ ها أنا قَد أتيتْ فلرَّبما ، أقولُ ربَّما أنتِ تأتِ أيضاً وَ نلتقِي في هذا المكانِ الذي ملأهُ ألمُ فقدِك حدَّ الثمَالة ؛ وَ هذهِ كلُّها ليست للقراءة ليسَت لأحد إنها للتنفس فقط !


*تقى جعفر ..
7-3-2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق